الدبلوماسية المصرية فى عهد الرئيس مبارك 1981 - 1984


اكتوبر 1984
1




الدبلوماسية المصرية فى عهد الرئيس مبارك 1981 - 1984
الدبلوماسية المصرية فى عهد الرئيس مبارك 1981 - 1984

بحلول شهر أكتوبر 1984، يكون قد مضى على الرئيس محمد حسنى مبارك ثلاث سنوات كاملة فى مدة الرئاسة وعلى قمة المسئولية فى جمهورية مصر العربية وقد عمد الرئيس حسنى مبارك منذ اللحظة الأولى لممارسة صلاحياته فى إدارة دفة السياسة الخارجية لجمهورية مصر العربية إلى انتهاج خط الوضوح والالتزام والحسم فى مرحلة كانت من أدق مراحل التاريخ المصرى المعاصر وأكثرها حساسية وأشدها حرجا فحيث أن الهدف الأساسى أمام واضع الاستراتيجية السياسية هو رخاء الإنسان المصرى وتحقيق رفاهيته بكل ما يعنيه ذلك من تأكيد لحريته وأمنه، فقد تحدد أمام القيادة الجديدة منذ البداية الطريق الأسلوب الكفيلان بتحقيق هذا الهدف الأسمى، فكان أن اختطت طريق السلام القوى، واختارت أسلوب عدم الانحياز أداة للحركة على المسرح الدولى ولأن القيادة المصرية تدرك بوعى مسئول حقيقة تمتع مصر بموقع استراتيجى فريد، ودور ريادى متميز، ومسئوليات قومية طليعية فإن مفهومه للأمن القومى المصرى جاء انعكاسا لحقائق موضوعية وتاريخية وحضارية وتعبيرا عن مصالح حيوية ومصيرية مؤكدة فالأمن القومى المصرى، يشتمل فى واقعة، على مستويات ثلاثة مركبة ومتداخلة أولها، الأمن القومى المباشر، ويعنى به حدود مصر مع جيرانها وثانيها، الأمن القومى الحيوى، وهو ما يمتد إلى الحدود الدولية للجيران، لأن الخطر إذا امتد إليها أصبح خطرا على الأمن القومى المباشر للدولة، وأخرها الأمن القومى الاستراتيجى، وهو يمثل خطا وهميا يحيط بالحدود الدولية المشتركة فى الحدود مع منطقة الأمن القومى الحيوى وقد فرض الأخذ بهذا المفهوم العلمى للأمن القومى المصرى، أن تتوزع مجالات نشاط الدبلوماسية المصرية، وأن تمتد اهتماماتها إلى دوائر أربع رئيسية، هى الدائرة العربية، والدائرة الأفريقية، والدائرة الإسلامية، والدائرة اللا انحيازية الدائرة العربية: كانت استعادة مصر لأرض سيناء كاملة فى 25 أبريل 1982، تطبيقا لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل التى وقعها الرئيس الراحل أنور السادات، وتحقيق انسحاب القوات الإسرائيلية من أخر المواقع التى كانت تحتلها فى الأراضى المصرية، برهانا عمليا على سلامة النهج الذى انتهجته مصر تخليصا لأراضيها من الاحتلال، وتصفية لميراث سلبى، سادته روح المواجهة الدموية بين مصر وإسرائيل منذ عام 1948 وكان ذلك الحدث ذاته، إيزانا بفتح صفحة جديدة بين مصر والعالم العربى، فى محاولة لتجاوز أثار هذه الاعتبارات العارضة والمؤقتة، التى خيمت على العلاقات المصرية العربية فى أعقاب توقيع مصر لاتفاقيات كامب ديفيد، كما كانت مبادرات مصر تحت قيادتها الجديدة صوب شقيقاتها العربيات، ذات محتوى ومردود إيجابى فى تمهيد الطريق أمام دخول العلاقات المصرية العربية فى المستقبل إلى مرحلة المصالحة الشاملة التى من شأنها وحدها أن تعيد إلى العالم العربى إرادته المفقودة وقوته المهدرة ووحدته المنشودة وتبدو الأمور واضحة جليلة أمام أنظار القيادة المصرية الحالية، من حيث أن القضية اليوم لم تعد قضية الخيار بين عودة إلى العرب أم عودة العرب إلى مصر، إنما هى بالتحديد قضية الخيار بين أن تكون الأمة العربية أو لا تكون وتقف مصر على الدوام، بكل قوة مع الحق العربى، وترى أن مشكلة فلسطين هى جوهر القضية العربية، وتعمل بكل السبل ومختلف الجهود، لتأمين حصول الشعب الفلسطينى على حقوقه المشروعة وفى مقدمتها حق تقرير المصير وإقامة وطن فلسطينى فوق أرضه بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى، والدعوة إلى اتخاذ كل الخطوات التى تساعد المنظمة على تجاوز أزمتها الداخلية واستعادة علاقاتها النضالية والرفاقية مع كل الأطراف والمحافظة على وحدتها وكيانها المستقل كما تتبنى الدبلوماسية المصرية بكل صلابة، الموقف المبدئى والقانونى من مشكلة القدس وترفض كل محاولات الضم القسرية واعتبار القدس عاصمة للدولة الإسرائيلية وبناء عليه، فقد كان من المتعين أن تأخذ مصر المبادرة فى قطع العلاقات مع كوستاريكا والسلفادور، بعد نقل سفارتيهما إلى القدس، حرصا على الحفاظ على الشرعية الدولية وحكم القانون، وصيانة للحقوق الدينية والتاريخية لأكثر من مائة مليون عربى وثمانمائة مليون مسلم، وألف مليون مسيحى ولذلك فإن هذا القرار يمثل خطا ثابتا فى سياستنا الخارجية كما تقاوم مصر سياسة إقامة المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية وقطاع غزة وتهويد الأراضى العربية، كما تقف بحزم ضد سياسة القهر والقمع وفرض القوانين العسكرية التعسفية على السكان العرب الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة بواسطة سلطات الاحتلال الإسرائيلية، والاعتداءات الدائمة على حقوق الإنسان الفلسطينى وحرياته المدنية، وتؤمن بأن مجموع هذه الممارسات المنافية لروح العدالة والديمقراطية، إنما تنطوى على تهديد خطير لكل فرص السلام الإقليمى والعالمى، وتشكل انتهاكا خطيرا لنص وروح اتفاقيات كامب ديفيد ولا تألو الدبلوماسية المصرية جهدا فى التنديد بهذه السياسة الإسرائيلية والتنبيه إلى خطورة الهوة التى تقود إليها وتتمسك مصر بموقفها المعلن بأن عودة السفير المصرى إلى إسرائيل رهن بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى اللبنانية واستئناف المفاوضات بشأن مشكلة طابا والسعى لحلها وفقا للإجراءات المنصوص عليها فى معاهدة السلام المصرية والإسرائيلية واتفاق 25أبريل 1982 وظلت الدبلوماسية المصرية تحت قيادة الرئيس مبارك، تتمسك بالعمل على حل القضية اللبنانية على أساس الانسحاب الإسرائيلى والمحافظة على عروبة لبنان ووحدة أراضيه واستقلاله الوطنى والتوصل إلى صيغة ديمقراطية للحكم تحظى بالإجماع الوطنى، وارتفع صوت الرئيس مبارك وانطلقت مبادراته فى كل مرة كان يجد فيها أن ثمة فرصة سانحة لأن يقول كلمة أو يخطو خطوة فى اتجاه تخليص لبنان من مأساة امتدت إلى عشر سنوات وتؤمن مصر بأن نقطة البداية فى السلام الشامل فى المرحلة القادمة هى التوجه لحل القضية الفلسطينية بكل جوانبها، بمشاركة نشطة من منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى الشقيق، وتؤمن القيادة المصرية بأن هذا التوجه يتطلب موقفا عربيا منسقا يرتفع إلى مستوى الأحداث ويتناسب مع المسئولية التاريخية، ويتسم بالجدية والبعد عن المناورة لأننا جميعا خاسرون من إضاعة الفرصة المتاحة لتمكين هذا الشعب المناضل من التمتع بحقوقه الأساسية وإذا وقفت إسرائيل ضد حركة التاريخ، فأنها تجعل الموقف أكثر تعقيدا وتفجرا، وتسىء إلى مصلحة إسرائيل نفسها، لأن مستقبل أى شعب يتوقف على قدرته على التعايش مع سائر الشعوب فى إطار القبول المتبادل واحترام الحقوق والواجبات والالتزام بأحكام الشرعية أكثر من قدرته على القهر والمواجهة العسكرية والواقع أن الأوضاع المتردية فى منطقتنا العربية وانتشار والقلق والخوف واختلال الأمن والاستقرار فى كثير من أرجائها إلى الإدراك الواعى لأبعاد المسئولية التاريخية وتقدير خطورة الأوضاع القائمة على مستقبل الأمة العربية، التى تنتمى إليها انتماء مصير وقدر، ولا تمل القيادة المصرية من الدعوة المستمرة والجهد الواعى من أجل أن تعود الأمة جمعاء إلى العمل المشترك فى إطار استراتيجية واقعية محددة، تستهدف تحقيق الأمن القومى والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، التى ترفع مستوى الجماهير العربية وتؤمن لها مستقبلا أفصل فى عالم الغد ولقد تقدمت مصر الصفوف وتصدت لحمل مسئولية خاصة فى تحقيق السلام الشامل والعادل فى الشرق الأوسط، والقضاء على مصادر العنف والدمار والتوتر ولا تجد الدبلوماسية المصرية تعارضا بين تثبيت دعائم الأمن، ونشر مظلة السلام، لأن الأمة العربية تستطيع تحقيق أهدافها القومية وحماية مصالحها الحيوية فى ظل السلام العادل والشامل الذى يحمى شعوب المنطقة من أخطار العدوان والتدخل الخارجى ويصون كرامتها وحرية إدارتها ويتيح تعبئة مواردها وإمكاناتها لأغراض التنمية وصنع التقدم ومن وسائل تحقيق هذه الأهداف الآن، أن أقدمت مصر على تجربة التكامل بين مصر والسودان التى تقوم كواحدة من هذه التجارب الرائدة فى الاعتماد على الذات، وبوصفها الطريق الطبيعى والعملى الأمثل لوحدة وادى النيل فالتكامل المصرى السودانى ليس سوى استلهام لإدارة الشعبين الشقيقين فى السودان ومصر وتأكيد لوحدة التاريخ الذى سجل عبر الأجيال المتعاقبة شعور الانتماء والمصير المشترك كما أنه استجابة لنداء الحاضر والمستقبل لشعبين ربط النيل الخالد بينهما فى وحدة لا انفصام لها وبناء عليه، فقد كان من المتعين أن تأخذ مصر المبادرة فى قطع العلاقات مع كوستاريكا والسلفادور، بعد نقل سفارتيهما إلى القدس، حرصا على الحفاظ على الشرعية الدولية وحكم القانون، وصيانة للحقوق الدينية والتاريخية لأكثر من مائة مليون عربى وثمانمائة مليون مسلم، وألف مليون مسيحى ولذلك فإن هذا القرار يمثل خطا ثابتا فى سياستنا الخارجية كما تقاوم مصر سياسة إقامة المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية وقطاع غزة وتهويد الأراضى العربية، كما تقف بحزم ضد سياسة القهر والقمع وفرض القوانين العسكرية التعسفية على السكان العرب الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة بواسطة سلطات الاحتلال الإسرائيلية، والاعتداءات الدائمة على حقوق الإنسان الفلسطينى وحرياته المدنية، وتؤمن بأن مجموع هذه الممارسات المنافية لروح العدالة والديمقراطية، إنما تنطوى على تهديد خطير لكل فرص السلام الإقليمى والعالمى، وتشكل انتهاكا خطيرا لنص وروح اتفاقيات كامب ديفيد ولا تألو الدبلوماسية المصرية جهدا فى التنديد بهذه السياسة الإسرائيلية والتنبيه إلى خطورة الهوة التى تقود إليها وتتمسك مصر بموقفها المعلن بأن عودة السفير المصرى إلى إسرائيل رهن بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى اللبنانية واستئناف المفاوضات بشأن مشكلة طابا والسعى لحلها وفقا للإجراءات المنصوص عليها فى معاهدة السلام المصرية والإسرائيلية واتفاق 25أبريل 1982 وظلت الدبلوماسية المصرية تحت قيادة الرئيس مبارك، تتمسك بالعمل على حل القضية اللبنانية على أساس الانسحاب الإسرائيلى والمحافظة على عروبة لبنان ووحدة أراضيه واستقلاله الوطنى والتوصل إلى صيغة ديمقراطية للحكم تحظى بالإجماع الوطنى، وارتفع صوت الرئيس مبارك وانطلقت مبادراته فى كل مرة كان يجد فيها أن ثمة فرصة سانحة لأن يقول كلمة أو يخطو خطوة فى اتجاه تخليص لبنان من مأساة امتدت إلى عشر سنوات وتؤمن مصر بأن نقطة البداية فى السلام الشامل فى المرحلة القادمة هى التوجه لحل القضية الفلسطينية بكل جوانبها، بمشاركة نشطة من منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى الشقيق، وتؤمن القيادة المصرية بأن هذا التوجه يتطلب موقفا عربيا منسقا يرتفع إلى مستوى الأحداث ويتناسب مع المسئولية التاريخية، ويتسم بالجدية والبعد عن المناورة لأننا جميعا خاسرون من إضاعة الفرصة المتاحة لتمكين هذا الشعب المناضل من التمتع بحقوقه الأساسية وإذا وقفت إسرائيل ضد حركة التاريخ، فأنها تجعل الموقف أكثر تعقيدا وتفجرا، وتسىء إلى مصلحة إسرائيل نفسها، لأن مستقبل أى شعب يتوقف على قدرته على التعايش مع سائر الشعوب فى إطار القبول المتبادل واحترام الحقوق والواجبات والالتزام بأحكام الشرعية أكثر من قدرته على القهر والمواجهة العسكرية والواقع أن الأوضاع المتردية فى منطقتنا العربية وانتشار والقلق والخوف واختلال الأمن والاستقرار فى كثير من أرجائها إلى الإدراك الواعى لأبعاد المسئولية التاريخية وتقدير خطورة الأوضاع القائمة على مستقبل الأمة العربية، التى تنتمى إليها انتماء مصير وقدر، ولا تمل القيادة المصرية من الدعوة المستمرة والجهد الواعى من أجل أن تعود الأمة جمعاء إلى العمل المشترك فى إطار استراتيجية واقعية محددة، تستهدف تحقيق الأمن القومى والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، التى ترفع مستوى الجماهير العربية وتؤمن لها مستقبلا أفصل فى عالم الغد ولقد تقدمت مصر الصفوف وتصدت لحمل مسئولية خاصة فى تحقيق السلام الشامل والعادل فى الشرق الأوسط، والقضاء على مصادر العنف والدمار والتوتر ولا تجد الدبلوماسية المصرية تعارضا بين تثبيت دعائم الأمن، ونشر مظلة السلام، لأن الأمة العربية تستطيع تحقيق أهدافها القومية وحماية مصالحها الحيوية فى ظل السلام العادل والشامل الذى يحمى شعوب المنطقة من أخطار العدوان والتدخل الخارجى ويصون كرامتها وحرية إدارتها ويتيح تعبئة مواردها وإمكاناتها لأغراض التنمية وصنع التقدم ومن وسائل تحقيق هذه الأهداف الآن، أن أقدمت مصر على تجربة التكامل بين مصر والسودان التى تقوم كواحدة من هذه التجارب الرائدة فى الاعتماد على الذات، وبوصفها الطريق الطبيعى والعملى الأمثل لوحدة وادى النيل فالتكامل المصرى السودانى ليس سوى استلهام لإدارة الشعبين الشقيقين فى السودان ومصر وتأكيد لوحدة التاريخ الذى سجل عبر الأجيال المتعاقبة شعور الانتماء والمصير المشترك كما أنه استجابة لنداء الحاضر والمستقبل لشعبين ربط النيل الخالد بينهما فى وحدة لا انفصام لها وقد تم توقيع ميثاق التكامل بين جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان الديمقراطية فى 12 أكتوبر 1982، ومنذ ذلك التاريخ تأخذ مسيرة التكامل فى شق طريقها عبر مختلف الصعاب والعقبات من أجل خدمة المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين وتؤمن الدبلوماسية المصرية بضرورة دفع مشروعات التكامل وتهيئة مختلف الظروف المحلية والإقليمية والدولية من أجل ضمان النجاح حتى تعود بالقائد المرجوة وتحقيق الآمال المعقودة عليها الدائرة الأفريقية: لقد أدركت القيادة المصرية منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952، أن نطاق الأمن القومى المصرى، يمتد إلى أفريقيا بصورة مباشرة فعلى مدى العقود الثلاثة الماضية ظلت أفريقيا على الدوام بعد استراتيجيا من أبعاد الدبلوماسية المصرية وزيارة الرئيس حسنى مبارك فى مطلع هذا العام إلى كل من (كينيا وتنزانيا وزائير والصومال) إنما يقوم دليلا على مدى ما توليه القيادة المصرية من اهتمام بالدول الأفريقية الشقيقة التى يتعين على مصر توثيق عرى التفاهم والتعاون معها فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والفنية والثقافية وغيرها كما لا يخفى أن الحضور المصرى داخل دول القارة الأفريقية على اختلافها يأخذ الآن فى الزيادة والنمو والتعدد من خلال ما يقدمه الصندوق المصرى للمعونة الفنية للدول الأفريقية التابع لوزارة الخارجية إذ يلاقى الصندوق اهتماما كبيرا فى هذه السنوات الأخيرة من جانب الدول الأفريقية جميعا، بل ومن جانب المنظمات الدولية العاملة فى مجال المعونات الفنية ويتزايد الطلب بصورة كبيرة على الخبراء المصريين فى مختلف التخصصات كما يتسع الإقبال على المنح التدريبية للأشقاء الأفارقة داخل مصر، ويوجد حاليا المئات من الخبراء المصريين فى مختلف الدول الأفريقية حيث يقومون هناك بأداء رسالة التعاون فى مجال التنمية والتحديث فى أفريقيا، وهم بذلك يقدمون النموذج على صدق ما تستشعره مصر من مسئولية وعمق ما تدركه من واجب تجاه ما يربط بينها وبين شعوب القارة الأفريقية من روابط النيل والحضارة والثقافة والجوار وفى مجال تأكيد أهمية المردود الذى يعود على مصر من إصرارها ووعيها برسالتها نحو أشقائها الأفارقة الحافلة بالمسئولية والعطاء، ينبغى التذكير بدور مواقف الدول الأفريقية الذى كان عاملا رئيسيا وحاسما فى مساندة خطها السياسى ورؤيتها الاستراتيجية فى قضايا السلام والأمن فى منطقة الشرق الأوسط، وكذا إجماع الدول الأفريقية على اختيار مصر لعضوية مجلس الأمن لفترة عامين ابتداء من يناير 1984 فلا يخفى أن حجم هذه المجموعة وعدد دولها البالغ خمسين دولة، يجعل منها أهم الكتل الدولية ذات الوزن والتأييد المعنوى من ناحية، وفى مجال اتخاذ القرارات والتصويت فى الأمم المتحدة وفى المنظمات والمحافل الدولية المختلفة من ناحية أخرى وفى ضوء هذه الحقائق تحرص القيادة الجديدة فى مصر فى كل المباحثات التى أجرتها أن تؤكد على وجهة نظر القاهرة فى ضرورة حل الخلافات العربية بين الدول العربية ذات الانتماء الأفريقى، فى إطار عربى أولا، حتى لا ينتقل الانقسام العربى إلى ساحة منظمة الوحدة الأفريقية، فيشل فاعلية العمل الأفريقى المشترك ويزيد من فرص الانقسام داخل القادة التى ينبغى أن توحد جهودها من أجل كسب معارك تحررها المتمثلة فى تحقيق استقلال ناميبيا، ثم من أجل الإسراع قدما على طريق التنمية إنقاذا للإنسان الأفريقى من خطر المجاعات التى تلاحقه وتوفير للجهد الأفريقى المبدد فى نزعات بلا طائل وحل مشكلات أفريقيا هو العمل على دعم منظمة الوحدة الأفريقية كى تصبح قادرة على تسوية القضايا الأفريقية التى ينبغى ألا تبقى طويلا على مسرح الأحداث ومن ناحيتها فإن القاهرة تتمسك بمنظور رؤيتها فى ضرورة تنسيق كل مواقفها داخل مؤسسات منظمة الوحدة الأفريقية فالدبلوماسية المصرية فى هذا المجال، ترفض أى إجراء تقوم به أى من الدول بعيدا عن إطار المنظمة وفى هذا الصدد تؤكد الدبلوماسية المصرية دائما على موقف مصر من رفض كل صور التدخل فى قضية تشاد أو فى قضية الصحراء الغربية إلا من خلال إطار قرار تتوافق حوله دول الوحدة الأفريقية، ثم موقف القاهرة الآخر الذى يتمثل فى حرصها على أن تكون مساعداتها العسكرية لحركة تحرير ناميبيا من داخل إطار منظمة الوحدة الأفريقية ذاتها وكان من الطبيعى أن تستأثر المشكلات الأفريقية الثلاث الكبرى وهى مشكلة ناميبيا ومشكلة تشاد والمشكلة الصحراوية باهتمام الدبلوماسية المصرية على وجه الخصوص فبالنسبة لمشكلة ناميبيا، تتبنى الدبلوماسية المصرية وتدعم وتساهم بشكل كامل فى الجهود الأفريقية المشتركة الهادفة لتحقيق الحرية والاستقلال للشعب الناميبى المكافح ولتخليص القارة من شرور النظام العنصرى البغيض فى جنوب أفريقيا والتمسك بضرورة تنفيذ القرار الصادر من مجلس الأمن رقم (435) المتضمن لخطة استقلال ناميبيا، كما تواصل الدبلوماسية المصرية تأييدها الكامل لمنظمة (سوابو) ولشعب ناميبيا باعتبارها قضية التحر الأفريقى المحورية فى الآونة الراهنة وباعتبار أن استقلال ناميبيا سيعنى فى حقيقة الأمر بداية الانهيار للنظام العنصرى فى جنوب أفريقيا وهو النظام الذى يجسد الخطر الحقيقى أمام مستقبل التطور والتقدم لشعوب القارة الأفريقية ومع التطورات الأخيرة فى الجنوب الأفريقى وفى ضوء المعطيات والتداعيات التى تأتى فى أعقاب التوقيع على ميثاق عدم الاعتداء بين موزمبيق وجنوب أفريقيا فإن الدبلوماسية المصرية تقف بحزم وثبات مع مبادئ النضال الأفريقى فى مواجهة التفرقة العنصرية والممارسات الفاشية وستظل تسعى بكل الوسائل والأساليب من أجل انتصار إرادة التحرر الوطنى فى ناميبيا وللأغلبية السوداء فى جنوب أفريقيا ولا شك أن مصر ترى أن ثمة ضرورة حيوية تفرض ذاتها على شعوب القارة الآن لصياغة استراتيجية جديدة فى التعامل مع المشكلات القائمة والوصول إلى تحقيق الأهداف الأفريقية فى التحرر والكرامة فى ظل الأوضاع المستجدة أما بالنسبة للموقف المصرى من المشكلة التشادية فتقوم السياسة المصرية على موقف ثابت يتلخص فى تأييد الشرعية التشادية ولما كان الرئيس حسين حبرى هو رئيس تشاد الشرعى الذى حصل على اعتراف منظمة الوحدة الأفريقية باعتباره رئيسا وممثلا للحكومة التشادية فإن مصر تلتزم انطلاقا من ذلك بتأييد الرئيس حبرى، ويأتى استقبال الرئيس حسنى مبارك للرئيس حبرى فى القاهرة فى الفترة من 15 17 يوليو 1984 تأكيدا لهذا الموقف المصرى الرسمى من المشكلة التشادية وتحبذ مصر إلى جانبا إتمام المصالحة بين الفصائل التشادية المتصارعة وحل الأزمة على أساس من الوحدة الوطنية واحترام للسيادة التشادية وعدم التدخل فى الشئون الداخلية وتحرير تشاد من كل القوى الأجنبية التى تحتل أجزاء من أراضيها كما تؤمن الدبلوماسية المصرية بأن الكف عن التدخل الأجنبى فى الشئون الداخلية للدول الأفريقية هو خير ضمان لاستقلالها وسيادتها والابتعاد بها عن الاستقطاب والصراع الدولى الذى لن يكون دائما إلا على حساب الشعوب الأفريقية التى تدفع ثمنا باهظا من تنميتها ومستقبلها إذا ما دخلت فى أتون التنافس والاستقطاب الدولى المدمر وسوف تواصل الدبلوماسية المصرية تبنى هذا الموقف فى مختلف اجتماعات منظمة الوحدة الأفريقية القادمة، وحث الأطراف المعنية على اتخاذ كل ما من شأنه إنجاح المصالحة الوطنية التشادية لسد الطريق على التدخلات الأجنبية، ولضمان خروج القوات الأجنبية المختلفة من تشاد أما عن مشكلة الصحراء الغربية، فإن الدبلوماسية المصرية التى تعطى أولوية للمصلحة الأفريقية العليا، التى تتمثل فى وحدة الصف الأفريقى ورغبة منها فى الحفاظ على منظمة الوحدة الأفريقية، فإنها تلتزم تجاه هذه المشكلة بموقف الحياد الإيجابى وفى هذا الخصوص فإنها تؤيد القرار 103 والقرارات الملحقة والصادرة عن مؤتمر القمة الأفريقى الثامن عشر المنعقد فى نيروبى عام 1981 والذى نص على إنشاء لجنة تنفيذ، تضم سبع دول أفريقية باتخاذ كافة الإجراءات والاتصالات اللازمة مع طرفى النزاع للتوصل إلى وقف إطلاق النار وإجراء الاستفتاء على حق تقرير المضير لشعب الصحراء الغربية وقد أسفرت جهود الدبلوماسية المصرية التى استطاعت بسبب موقفها غير المنحاز إلى أى من مجموعة الدول المؤيدة للجمهورية الصحراوية، أو مجموعة الدول غير المؤيدة لها، وبسبب قردتها على الاتصال بكلا المجموعتين بحرية وموضوعية وعدم التزام المساهمة فى إمكان انعقاد القمة التاسعة عشر فى أديس أبابا فى يوليو عام 1983، إذ نجحت هذه الصيغة التوفيقية بإقناع الجمهورية الصحراوية بعدم المشاركة بمحض إرادتها فى صون المنظمة من التصدع والانهيار وتشير كافة هذه المواقف التى تلتزم بها الدبلوماسية المصرية، إلى إيمانها العميق بمنظمة الوحدة الأفريقية، كإطار يجمع ما بين دول القارة بأسرها، وبأنها صرح لوحدتهم ينبغى المحافظة عليه وحمايته وتقويته ضد كافة المحاولات التى تستهدف إضعافه وتفتيته وإشاعة الانقسام فيه وتستنكر مصر أشد الاستنكار الأصوات التى ترتفع بين وقت وأخر والتى تستهدف النيل من وحدة المنظمة وشمولها وقاريتها، والتى تعيد إلى ذاكرتنا تلك الدعوات الاستعمارية المفضوحة التى أرادت فى مراحل غابرة أن تفصل بين شمال الصحراء وجنوبها، أو بين أفريقيا السوداء وغير السوداء، وتكريسا لانقسام مفتعل، وترويجا لعنصرية بغيضة إن أفريقيا تتهددها اليوم مؤامرة تريد ضرب وحدتها وتمزيق أوصالها وقصم كيانها، ووأد مستقبلها إن الصحراء الأفريقية التى كانت على الدوام جسر للتبادل والتفاهم والاتصال لا يمكن أن تصبح أبدا، ومهما حاول المغرضون مسافة فاصلة، أو عقبة مانعة، أو أداة حاجزة أن أفريقيا شمال الصحراء لتمد يدها إلى أفريقيا جنوب الصحراء تطلب منها العون والدعم والمؤازرة لتجاوز أزمتها، حتى تتفرغ أفريقيا الموحدة لمهمة أكبر تتمثل فى مواجهة أخطار العنصرية اللونية الماحقة ولن يتأتى لها النصر فى معركة الكرامة والمصير وصياغة المستقبل الأفضل، إلا بالتمسك بحصن الوحدة الشاملة والاحتماء بقلعة الحرية ممثلة فى منظمة كل أفريقيا وكل الأفريقيين، وفى منظمة الوحدة الأفريقية كما تؤمن الدبلوماسية المصرية بأن ما يوجد بين الدول الأفريقية، أكثر وأهم وأعمق بكثير مما يفرق بينها فالدول الأفريقية جميعها دولا نامية تتطلع إلى تجاوز الميراث الاستعمارى الثقيل الذى فرض عليها التخلف والقهر والاستغلال وأن حصولها على الاستقلال كان لابد وأن يكون مرحلة تنطلق منها إلى التنمية وتطوير اقتصادها، لا إلى الدخول فى حروب ومواجهات عسكرية، وإنفاق دخولها الضعيفة على شراء أسلحة الحرب والقتل والتدمير واستنزاف طاقاتها المحدودة فى حروب لن يستفيد منها إلا أعداء استقلال أفريقيا وأعداء وحدتها إن منور الدبلوماسية المصرية بالنسبة للمشكلات والمنازعات الأفريقية حول الحدود، إنما يقوم على الاعتقاد بضرورة السعى إلى حل كل منازعات الحدود القائمة بين الدول الأفريقية بالطرق السلمية، لأن هذه الحدود التى جرى رسمها فى ظل سيطرة الاحتلال الأجنبى للقارة، لا يمكن حلها عن طريق إثارة النعرات القومية والعرقية الضيقة وعن طريق المواجهات المسلحة، لآن ذلك من شأنه أن يفتح باب الجحيم على كل شعوب القارة، خصوصا وأن القوى الاستعمارية قد راعت فى ترتيبها المتعسف لهذه الحدود أن تكون بؤرا لخلافات يمكن أن تفجر وحدة القارة مستقبلا وترى مصر أنه من المؤكد أن المجاعات التى تحدث وتهدد الشعوب الأفريقية أضحت تشكل وضعا مأسويا يتطلب من كافة المعنيين والمتخصصين الإسراع بوضع تصور استراتيجى للخروج من هذا المأزق التاريخى بل والغريب إننا نجد أن الدول الأفريقية الغنية بالموارد المختلفة والمصادر البترولية، غدت تواجه أزمات مختلفة وأختناقات اقتصادية وذلك امتدادا للأزمة الاقتصادية العالمية، وإن كانت انعكاسات هذه الأزمة فى العالم الثالث وفى القارة الأفريقية على وجه الخصوص، تتسم بالتعقيد والتركيب والفداحة بشكل كبير كما انه ما من طريق فى رأى مصر للتغلب على ضعف الإمكانات لدى كل دولة أفريقية على حدة، إلا باللجوء إلى تجربة التكامل الاقتصادى والسياسى بين دول القارة أو على الأقل بين التجمعات الإقليمية داخل القارة ولعل من أبرز مظاهر ومقومات الاعتمادات على النفس، أن ينهمك الأفارقة فى المرحلة الراهنة فى الدخول معا ضمن مؤسسات وظيفية تستهدف سد الحاجات الأفريقية ضمن قطاعات ومجالات محددة بذاتها اقتصادية وصناعية وزراعية وتكنولوجية واجتماعية وغيرها من قطاعات الحياة المختلفة إن شعار الحوار بين الجنوب والجنوب، فى رأس الدبلوماسية المصرية ينبغى أن يكون هو شعار أفريقيا اليوم، لأن ذلك هو السبيل الذى يضيف إلى رصيدها المادى قوة ومنعة وإلى قدرتها على التعامل مع غيرها، كفاءة ومصداقية وربما كانت خطة لاجوس هى أول محاولة لتطبيق برنامج تنمية أفريقى يقوم على شعار الاعتماد على النفس وإقامة سوق أفريقية مشتركة وتتطلع مصر إلى العمل على مد تجربة التكامل المصرى السودانى التى بدأتها منذ عام 1982 إلى نطاق أرحب يستهدف تعميق وتكريس الانتماء المشترك لدول عائلة حوض نهر النيل، عن طريق إتاحة المجال لتفاعل كل أشكال العلاقات المتشابكة ومجموع المصالح المشتركة لكافة الدول التى تنتمى لهذه العائلة النيلية الواحدة إذ تؤكد حقائق الماضى أن شعب مصر، الذى أدرك بوعى، منذ آلاف السنين، وضعه كدولة نيلية، قد وضع نصب عينيه منذ فجر التاريخ الإنسانى، أن يثرى ما يربط بينه وبين شعوب وسط وشرق أفريقيا الأخريات، الواقعة على حوض نهر النيل العظيم وأن يشاطرها كل شىء بما فى ذلك مياه نهر النيل مانحة الخصب والرخاء ومنظور الدبلوماسية المصرية فى هذا الخصوص، ويؤمن بأن ما حدث فى الماضى، يصبح اليوم أكثر من ضرورة حيوية، ويقوم كواحد من أهم متطلبات السياسة الخارجية المصرية الواعية والمدركة لحقائق العصر فمصر تؤمن بأهمية العمل على بلورة رابطة تنظيمية تضم الدول الأفريقية التسع المطلة على نهر النيل، للعمل على ترشيد استخدام مياهه، وحل أية خلافات يمكن أن تنشب فيما بينها بالنسبة لاستخدامات هذه المياه، التى قد لا تصبح كافية بعد عشر سنوات لتغطية جميع هذه الاستخدامات فإذا كانت حقائق التاريخ والجغرافيا، تجعل من الدائرة الأفريقية على اتساعها، واحدة من أكثر دوائر العمل السياسى المصرى حيوية وأهمية، فإن الدائرة النيلية، تقف منها بمثابة الجذر العضوى الذى يضرب فى أعماق الزمن، ويربط مصر برباط أبدى خالد يكاد أن يكون هو الماضى والحاضر والمستقبل فى أن معا ولعل الدول الخمس التى عقدت مؤتمرها على المستوى الوزارى فى الخرطوم فى شهر نوفمبر 1983، وهى مصر والسودان وأوغندا وزائير وأفريقيا الوسطى، والتى كان هدفها هو العمل معا ضمن إطار إقليمى على تحقيق المزيد من التعاون والتفاهم وتعميق والعلاقات الثنائية بينها، وتطوير سبل اللقاء فى مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية وغيرها، ثم نجحت فى عقد مؤتمرها الثانى فى مطلع سبتمبر 1984 فى كنشاسا، ليس سوى تأكيدا وتجسيدا للمعانى والمعايير التى تؤمن بها مصر فى مجال العمل الأفريقى الإقليمى ضمن إطار العمل الأفريقى العام الذى يستظل بمنظمة الوحدة الأفريقية وفى كينشاسا تم الاتفاق على إطلاق اسم إندوجو (وتعنى فى اللغة السواحلية الإخاء) على هذا التجمع من الدول ليعبر عن حقيقة المعانى والأهداف السامية التى يستهدفها هذا التجمع كما تقرر أن ينعقد المؤتمر الثالث للتجمع فى كمبالا عاصمة أوغندا فى أغسطس 1985 الدائرة الإسلامية: تؤمن مصر، شعبا وقيادة، بأن البعد الإسلامى بها، ليس مجرد بعد دينى، بل هو علاوة على ذلك بعد سياسى وحضارى وثقافى، وبناء عليه، فإن السياسة الخارجية المصرية، تأتى تعبيرا عن ارتباط مصر العضوى الوثيق بالعالم الإسلامى وتمسكها القوى بمبادئ الوحدة والتضامن بين شعوب الأمة الإسلامية فالقاهرة، بوجود الأزهر الشريف فيها، وجامعته العتيدة، ومعاهدة المنتشرة فى كل أرجاء مصر، تعتبر بمثابة الإشعاع الأول للفكر والحضارة الإسلامية فهذا الإشعاع يتعدى حدود مصر الدولية، ويتجاوز الخلافات المرحلية ويضع مسؤولية خاصة على عاتق واضعى السياسة الخارجية المصرية تجاه الدول الإسلامية فلقد ظل هدف ثابت من أهداف السياسة الخارجية المصرية، الدعوة والعمل الدائب من اجل توحيد جهود الدول الإسلامية لتنمية الروابط الروحية المشتركة بينها وتحقيق استقلالها وتقدمها وحمايتها من الوقوع فى براثن الأحلاف والتكتلات العسكرية وتطوير التبادل الاقتصادى والثقافى بينها ولم يكن بمستغرب، أن تشعر مصر بالنتائج السلبية التى تعود على منظمة المؤتمر الإسلامى، التى كانت مصر من الدول المؤسسة لها والمتحمسة لنشاطها، بعد أبعادها عن الحركة الفاعلة على الصعيد الإسلامى، بتجميد عضويتها من خلال إجراء تعسفى، بعد توقيع مصر لاتفاقيات كامب ديفيد وقد حرصت مصر، طوال فترة غيبتها التى استمرت خمس سنوات عن اجتماعات المؤتمر الإسلامى، على مواصلة نشاطها من أجل الإسلام وعطائها المتجدد فى سبيل رفعته وعزته دون التفات إلى الشكليات، وظل الأزهر وجامعته الشامخة ملتقى علماء الإسلام وكعبتهم العلمية التى ينهلون منها إشعاع العرفة والنور والإيمان ولم تتوان الدبلوماسية المصرية عن بذل جهودها من أجل فرض التراجع على منظمة المؤتمر الإسلامى بالنسبة لإجرائها المتعسف تجاه العضوية المصرية، حتى تحقق لها ذلك عندما دعيت لاستئناف نشاطها فى اجتماع قمة الدار البيضاء التى انعقدت فى يناير ، والتى طرح فيها مسألة ضرورة عودة مصر إلى استئناف نشاطها ومباشرة دورها الإيجابى الفعال من أجل نصرة الإسلام ورفع لوائه وتعتبر عودة مصر إلى منظمة المؤتمر الإسلامى بمثابة نجاح شخصى للرئيس مبارك ولسياساته على هذا الصعيد كما أن مصر تتطلع إلى اليوم الذى تعود فيه العلاقات بين إيران الإسلامية وكافة الدول العربية إلى المستوى الذى يتفق مع حدة المصلحة والمصير، والروابط الروحية العميقة التى تجمع بين الشعب الإيرانى الشقيق وكافة شعوب الأمة العربية، وذلك بوقف تلك الحرب العقيمة التى يعد استمرارها من أبرز مظاهر ضعف المسلمين وتشتت جهودهم وتفرق كلمتهم، وهو ما لا يستفيد منه إلا أعدائهم الدائرة اللانحيازية: لقد أثبتت ممارسات مصر الخارجية التزامها بمبادئ عدم الانحياز، فهى لم ترفع هذه السياسة كشعارات فحسب، بل ترجمتها إلى سلوكيات وممارسات فعلية وكانت مشاركة الرئيس حسنى مبارك الشخصية فى أعمال القمة السابعة لحركة عدم الانحياز فى نيودلهى من 7 12 مارس 1983، من أبرز مظاهر استعادة مصر لدورها الرائد فى حركة عدم الانحياز، وتعبيرا عن إرادتها فى الإسهام الخلاق فى زيادة فعالية الحركة من خلال تدعيم المطالب العادلة لدول عدم الانحياز على المستوى الدولى وفى مؤتمر نيودلهى، دعا الرئيس محمد حسنى مبارك دول عدم الانحياز إلى عقد مؤتمر وزارى لوضع نظام متكامل لمواجهة مشكلة أمن الدول غير المنحازة، كما حث على إنهاء الصراعات بين دول الحركة والالتزام باللجوء إلى وسائل السلمية لحل المنازعات وطالب باتخاذ خطوات محددة لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية، ودعا إلى إعداد ورقة بالخطوط العريضة لأسس استئناف الحوار بين الأغنياء والفقراء وقد اختيرت مصر عضوا فى مكتب تنسيق حركة عدم الانحياز للسنوات الثلاث الممتدة من 83 1986، فكان ذلك بمثابة الاعتراف العملى من جانب الحركة بدور مصر المتجدد فى العطاء من أجل أهداف عدم الانحياز والسلام العالمى ويقوم التزام مصر بحركة عدم الانحياز، وهو التزام مبدئى على إدراك عميق للحقائق الدولية المعاصرة، وعلى إيمان بالفلسفة التى تقوم عليها حركة عدم الانحياز التى لعبت مصر دورا بارزا فى تأسيسها وتهدف السياسة المصرية، إلى تخليص حركة عدم الانحياز من الشوائب ومحاولات استغلال القوى الدولية المختلفة لها لتحقيق أهداف بعيدة عن أهداف الحركة فإن ذلك وحده فى رؤية الدبلوماسية المصرية هو الذى يمكن حركة عدم الانحياز من القيام بدور هام ومؤثر فى المجال الاقتصادى الدولى ويأتى موقف القيادة الجديدة المبدئى بالنسبة لقواعد العسكرية الأجنبية ورفض مبدأ إقامة أية قواعد عسكرية على الأرض المصرية، بمثابة التجسيد العملى لسياسة عدم الانحياز والتمسك بها فى مجال التطبيق الفعلى، وليس على مستوى الشعارات كما تؤمن القيادة الجديدة بضرورة إقامة علاقات متوازنة بين المعسكرين تأكيدا لسياسة عدم الانحياز، وما عودة السفير المصرى إلى موسكو إلا برهانا على صدق التمسك بهذه السياسة وتنفيذها على أرض الواقع كما أن مطالبة مصر للاتحاد السوفيتى بوقف عدوانه على أفغانستان وبضرورة انسحاب القوات السوفيتية من أراضيها ليس سوى تعبيرا أمنيا عن سياسة عدم الانحياز التى تؤمن باحترام واستقلال الشعوب كافة بعيدا عن مظاهر القهر أو العسف أو الضغط الدولى من جانب أى معسكر من المعسكرين وتؤمن الدبلوماسية المصرية أشد الإيمان بأن من واجب حركة عدم الانحياز أن تتحرك دون إبطاء، لأنها الحرب العراقية الإيرانية، التى تهدد أمن وسلام جميع شعوب المنطقة فكل من البلدين المتحاربين عضو فى حركة عدم الانحياز، وبرغم استمرار الحرب المستعرة بينهما على مدى السنوات الأربع الماضية، فإن كلاهما لا يزال حريص على عدم انحيازه، وبناء عليه فإن حركة عدم الانحياز تكون هى، بكل المعايير، الإطار الأنسب لحل هذا الصراع الناشب بين دولتين عضوين بالحركة، ووقف الحرب بينهما وتصفية تراكماتها السياسية والنفسية جميعا، بعيدا عن تدخلات القوى العظمى، وعن العراقيل التى تضعها وعن مصالحها فى استمرار القتال وزيادة حدة الاستقطاب داخل الحركة وقد عملت مصر منذ البداية، على إيقاف الحرب العراقية الإيرانية، وتسوية الصراع سلميا، مع الرفض الحازم لاحتلال العراق لأية أراض إيرانية، واحتلال إيران لآية أرض عراقية، وفى هذا الإطار تأتى المبادرة التى قامت بها مصر مؤخرا ضمن إطار حركة عدم الانحياز، بهدف إنهاء الحرب بين إيران والعراق، على أساس الحقوق والمصالح المشروعة للشعبين الشقيقين، وضع الأسس لتسوية المسائل الخلافية عن طريق التفاوض بدلا من الحرب وسفك الدماء ومن الواضح تماما أن مصر فى طرحها لتلك المبادرة لا تنحاز لأحد الطرفين ضد الأخر، ولا تحيد عن الحق والعدل، وإنما تنحاز إلى حقن الدماء والحفاظ على أرواح الملايين من أبناء البلدين وتمكينهما من توجيه مواردهما إلى البناء والتعمير، وسد الطريق أمام التدخلات الأجنبية التى لا تحقق مصلحة ولا تمنع ضررا وما فتئت مصر ترى أن الفرصة سانحة لتحقيق تقدم فى هذا الصدد داخل حركة عدم الانحياز، بصرف النظر عن تعذر التوصل إلى أية نتائج إيجابية فى السنوات الماضية، لأن رواسب الماضى وعثراته لا يصح أن تعوق الحركة عن العمل من أجل المستقبل وعلى هذا المنطق تأسست مبادرة ضمن إطار الحركة، وتحقيقا لذات الهدف، كانت الزيارة التى قام بها الرئيس مبارك إلى بلجراد فى أغسطس 1983، ولسوف تواصل مصر تحركها فى الفترة القادمة إلى أن تبدأ مسيرة السلام وبالإضافة إلى المجالات السابقة فإن الدبلوماسية المصرية تؤكد على مجالات أخرى للسياسة الخارجية، وهى التضامن الآسيوى الأفريقى، والأفريقى اللاتينى، والحوار العربى الأوروبى، والتعاون الأفريقى العربى، والالتحام بقضايا العالم الثالث وبالعمل على دفع الحوار بين الشمال والجنوب، كما تتطلع مصر من خلال عضويتها فى مجلس الأمن إلى مساندة الحق والعدل فى مختلف القضايا الدولية وكان حضور الرئيس مبارك لمؤتمر العمل الدولى بجنيف عام 1983، بمثابة مساهمة مباشرة فى الدعوة إلى روح جديدة للتعاون الدولى من أجل السلام والبناء كما اقترح إنشاء صندوق دولى لتدريب العمالة فى الدول النامية لسد النقص نتيجة الهجرة، وبضرورة العمل على توفير مليار فرصة عمل للشباب بهدف القضاء على الفقر والبطالة وفى خطابه أمام المؤتمر السادس للتجارة والتنمية ببلجراد عام 1983، دعا الرئيس مبارك إلى عقد لقاءات دورية على مستوى القمة بين رؤساء الشمال والجنوب لتدارس الأوضاع الاقتصادية الدولية والاتفاق على سياسات تجنب العالم تكرار الأزمات الحادة، كما دعا إلى إنشاء بنك عالمى للتنمية ومشاركة كافة الدول فى بنك الجنوب الذى دعا إلى إقامته فى قمة عدم الانحياز السابقة فى الهند وإيمان مصر بأهمية وضرورة العمل على إنجاح الحوار بين الشمال والجنوب، يدفعها إلى إدراك أهمية وضرورة العمل بنفس الدرجة من الحماس وبكل ما تملك من طاقة وجهد على إنجاح الحوار بين الجنوب والجنوب، على أساس أنه الخطوة الأولى والمقدمة اللازمة لتوفير أجواء التضامن بين الدول النامية وتهيئة ظروف النمو المناسب لها وتوحيد كلمتها وبلورة مصالحها فى مواجهة الشمال الغنى والقادر والقوى وتتبنى الدبلوماسية المصرية عمليا، سياسة التعاون بين الجنوب، والجنوب تلك السياسة التى تتمثل فيما تقدمه من تعاون فنى لدول القارة الأفريقية، التى تنتمى إليها مصر انتماء عضويا ومصيريا، فأنشأت لهذا الغرض عام 1980 الصندوق المصرى للتعاون الفنى لأفريقيا، كجهاز مستقل يخضع لإشراف وزارة الخارجية المصرية، والذى تتلخص أهدافه فى تقديم المعونة الفنية للدول المختلفة، سواء فى صورة خبراء من مختلف التخصصات، أو فى صورة منح دراسية أو تدريبية لأبناء هذه الدول، وكذا المساهمة فى دراسات جدوى المشروعات التنموية الخاصة بالدول الأفريقية، والمساهمة أيضا فى المشروعات التى تتضمنها خطط التنمية للدول والشعوب الأفريقية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتتكون موارد الصندوق من الاعتمادات التى تخصصها حكومة جمهورية مصر العربية فى الموازنة العامة للدولة كل عام، والتى بلغت فى العام المالى الأخير أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون جنيه ورغبة من مصر فى زيادة موارد الصندوق وتوسيع دائرة نشاطه، وكثيف إمكانياته المادية فأنها تأخذ بتطبيق (مفهوم التعاون الثلاثى) بين مصر من جانب، وبين الهيئات الدولية المختلفة العاملة فى مجال التنمية الدولية أو التعاون الفنى من جانب ثان وبين الدول الأفريقية المستفيدة من جانب ثالث ويحاول الصندوق المصرى للتعاون الفنى لأفريقيا أن يلعب دورا إيجابيا وحيويا كجسر تعبر عليه الأموال التى تسهم بها الدول والهيئات الدولية بناء على ما يعقده الصندوق من اتفاقات، كما يتلقى القروض والتسهيلات الائتمانية المقدمة من مختلف الدول والأطراف وفقا لما يبرمه الصندوق من اتفاقات فى هذا الخصوص وقد نجح الصندوق المصرى للمعونة الفنية لأفريقيا فى إبرام العشرات من الاتفاقات مع الدول الأفريقية المستفيدة، وهى الاتفاقات التى تنظم تلقى هذه الدول للمعونة الفنية المقدمة من الصندوق المصرى كما سبق للصندوق أن وقع منذ شهور بروتوكولا للتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) ويقع هذا الاتفاق فى إطار عقد التنمية الصناعية فى أفريقيا، الذى قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة ويعتبر فى نفس الوقت تطبيقا لإعلان لاجوس فى أبريل 1980، وخطة العمل الواردة فى هذا الإعلان لدفع التعاون الإقليمى فى أفريقيا ويغطى البرنامج المتفق عليه فترة خمس سنوات، سيتم بمقتضاه استعانة منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية بالخبرة المصرية فى مجال نشاطها فى القارة الأفريقية، فى المجالات الصناعية والهندسية كما تستفيد منظمة اليونيدو وكذلك من التسهيلات التى تقدمها بعض المؤسسات والهيئات المصرية فى مجال التنمية الصناعية لصالح الدول الأفريقية الشقيقة كما وقعت مصر مؤخرا أيضا اتفاقا مشابها بين الصندوق المصرى للتعاون الفنى لأفريقيا الوكالة الدولية للتعاون الفنى والثقافى، التى تهدف إلى تقديم المعونة إلى الدول الأفريقية ذات الثقافة الفرنسية، وسوف تتولى الوكالة المساهمة فى تغطية جزء من تكاليف المنح والمشروعات التى يقدمها الصندوق للدول الأفريقية وتحث الدبلوماسية المصرية مختلف الدول الغربية العشر الأعضاء فى الجماعة الأوروبية على تقديم المعونات الفنية والمساهمة فى المشروعات الاقتصادية التنموية للدول الأفريقية من خلال صيغة التعاون الثلاثى ولعل قناة جونجلى التى دفعت دول السوق الأوروبية المشتركة مبلغ 4000 مليون دولار لتنفيذ المشروع الخاص بإقامتها فى جنوب السودان، لصالح كل من دولتى التكامل فى مصر والسودان، ما يقوم كنموذج على التعاون الثلاثى، التى تسعى مصر إلى تعميم صبغة التطبيقية فى ميدان التعاون بين الشمال والجنوب وتأتى محاولة مصر فى الترويج لمفهوم التعاون الثلاثى فى إطار سعيها المستمر لأداء دورها كهمزة الوصل بين الأطراف المقدمة للمعونة من ناحية، والدول الأفريقية المستفيدة من ناحية أخرى، بأكبر درجة من الكفاءة والتكرس والمسؤولية مؤكدة بذلك على معانى التعاون بين الجنوب والجنوب الذى تقوم بينه قيما مشتركة وثقافات مشتركة ومصالح مشتركة، تساعد جميعها على تحقيق الفائدة المرجوة بحدودها القصوى دونما فقد أو ضياع أو تشتت إن الدبلوماسية المصرية التى تعمل بجهد دائب على تنشيط حركة البلدان غير المنحازة وعلى توسيع رقعة التعاون بين شعوب العالم الثالث تؤمن بأن هذه الشعوب مؤهلة للقيام بدورها فى الحفاظ على الأمن والسلام الدوليين، ومنع تفاقم خطر قيام الحرب النووية وانطلاقا من مبادئنا ومن رؤيتنا لدورنا فى الواقع الدولى المعاصر، فإن مصر تحرص على مد جسور الصداقة والتعاون مع كافة الأمم والشعوب فى الشرق والغرب ولا نتردد فى تعزيز العلاقات مع كل دولة تحترم سيادتنا واستقلال إرادتنا وتتعامل معنا على أساس المساواة والمصلحة المشتركة ومن واقع العرض السابق الموجز، يبين للقارئ كيف عززت مصر مكانتها الدولية خلال الفترة، منذ أن تبوأ الرئيس مبارك الحكم فى جمهورية مصر العربية، فعادت القاهرة إلى دورها القيادى فى حركة عدم الانحياز، كما استعادت عضويتها فى منظمة المؤتمر الإسلامى، وانتخبت عضوا بمجلس الأمن، وكان أن تحقيق ذلك بفضل الدبلوماسية المصرية النشطة، وتؤمن مصر بضرورة مواصلتها لهذه السياسة التى تزيد على مر الأيام من مكانتها الدولية ومن احترام العالم لها، والتى تحقق لها الأمن القومى والاستقرار الداخلى وستظل مصر على الدوام، قلعة للحرية، تدعو للسلام والعدالة وديمقراطية العلاقات الدولية والمساواة بين الدول وتتصدى للتدخلات الأجنبية ونظريات مناطق النفوذ وتعارض الحرب والأحلاف العسكرية وإقامة القواعد على أرض الغير، وتتقدم صفوف المناضلين فى سبيل حق الشعوب فى الحياة، فهذا قدر مصر وهو اختيارها الحاسم الذى لن تفرط فيه أبدا . 
الدبلوماسية المصرية فى عهد الرئيس مبارك 1981 - 1984