وقفة تأمل مع النفس



وقفة تأمل مع النفس
بقلم: محمد حسني مبارك عام 1976 
الجزء الثالث 
__________________________________________


لعل أحوج مانكون إليه ونحن في مرحلة بناء قوتنا هو أن نقف وقفة تأمل لأنفسنا حتي إذا هبطنا إلي أعماقنا تلمسنا الداء وعرفنا الدواء, ولانشك أننا(بذلك) نتلمس الطريق الي النصر من خلال نقدمنا لذاتنا,فليس هناك أبلغ من نداء الضمير,
ولا أعدل من محكمة الضمير, لوأقمناها عدلا بيننا, فضمير المرء حارس أمين علي ذاته وعمله.
وليس هناك من مواقف التناقض في أي مجتمع أكثر من رفع الشعارات والاكتفاء بالتشدق بها دون وضعها مواضع التنفيذ, ونحن إذ نرفع شعار العلم والإيمان نبراسا لمجتمعنا الجديد, فإن لدي شبابنا في القوات الجوية أنسب الفرص ليجعلوا من هذا الشعار منهاجا لأعمالنا,ونتخذ منه نورا لطريقنا.
وان كانت الطائرة قد تطورت حتي فاقت سرعاتها سرعة الصوت, وتعددت وتعقدت معداتها وإجهزتها فقد أصبح وجوبا علي الطيار أن يكون علي أعلي مستوي من العلم والخبرة لتتسني له السيطرة علي طائرته, وليس هناك من وسيلة ناجحة لقادة التشكيلات والوحدات مهما تصغر, غير الأخذ بالأسلوب العلمي في تحقيق الأعمال وتحليل المشاكل لإدارة وحداتهم.
وليس المقصود بالأسلوب العلمي هو تحصيل العلم فحسب,بل يمتد بمعناه الواسع الي نبذ الارتجال والحلول السريعة عند وضع خطط العمل والاعتماد علي الإحصاءوالتدقيق والتسجيل, والأخذ بالمشورة وتطبيق نظام المؤتمرات وتوخي الدقة والتمحيص في بحث الأمور.
ولعلنا لانعجب إذا علمنا أن القيادة في معناها الكبير هي فن من فنون الإدارة العليا, ولاشك أن معركتنا تعتبر بالدرجة الأولي مباراة في فن الإدارة العسكرية العليا,كما لايغيب عن البال أن كل تدريب وكل تحصيل, وكل إطلاع عمل يحتاج لوقت وصبر وتعب, فليست الأمور سهلة في كل الأحوال, ولذلك فإن النصر مع الصبر. إن حديث الضمير يحدونا لأن نتدبر الشق الثاني من شعار تقدمنا وهو الإيمان فنحن نؤمن بأن ضباب الأحداث لن ينسينا أننا أصحاب حق, وأن الاعتداء وقع علينا ولم يصدر منا, وأن الله قد وعد عباده المؤمنين بالنصر أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله علي نصرهم لقدير.
ونحن نؤمن بأننا وقد استعدنا بناء قواتنا الجوية, وشرعنا في اتخاذ كل السبل لتجميع القوي مع أخواننا العرب فإن نصر الله قريب.
ونحن نؤمن ـ ونحن مداومون علي التدريب وتعميق الإعداد للمعركة ـ بأن الله سيكون معنا ولن يخذلنا.
ونحن نؤمن بأن طريق النصر شاق وطويل وسبيله التضحية بالجهد والمال, وقمته بذل النفس رخيصة استشهادا في سبيل الكرامة, وهذه سمة الشرفاء المؤمنين بحقهم في الحياة الكريمة احرارا غير مستعبدين.
إن ضمير كل منا يجب أن يقف حارسا أمينا علي رسالة وضعها الله بين أيدينا,ولا إعلاء لكلمة الحق إلا إذا دعمنا وجددنا وقفة الضمير يوما بيوم حتي يتحقق النصر.