القيادة الناجحة



القيادة الناجحة
بقلم: محمد حسني مبارك عام 1976 
الجزء التاسع 
_________________________________________

يمكن ان نعرف القيادة بأنها فن التأثير في المرءوسين,ودفعهم نحو التقدم في تعاون وحماس في سبيل تحقيق رسالة معينة, والبراعة
في القيادة تكتسب عن طريقين, وهما المران والدراسة بنفس الطريقة التي يكتسب بها الطيار براعته في فنون الطيران, وكما لايستطيع أحد أن يصبح طيارا ماهرا بالقراءة وحدها, كذلك لن يبرع قائد في فن القيادة عن طريق قراءة الكتب وحدها.
فالقائد الذي لاتتعدي معارفه عن القيادة إلي أبعد من قواعدها التقليدية المعروفة إنما هو قائد فاشل. إن الحقيقة الثابتة التي تقول إن القيادة فن إنما تحتم عليك ألا تحاول أن تصبح قائدا آليا, فالقيادة لاترتكز علي قواعد محددة ثابتة, أو علي وسائل تناسب جميع المواقف, بل القيادة صفة معنوية لاتراها العين أو تلمسها اليد, ولاتقاس إلا بما تتمخض عنه من نتائج.
إن لدينا بعض المبادئ العامة للقيادة,أمكن تطبيقها بنجاح طوال قرون عديدة, غير أنها تصبح عديمة الجدوي إذا تحولت الي قواعد ثابتة, لما كانت القيادة نوعا من العلاقات الإنسانية فلابد وأن ندخل في اعتبارنا شخصية الإنسان نفسه, وما يعتريها من تقلبات وتعقيدات مما يتطلب مسايرة فنونها لما يطرأ علي الإنسان من تغير في العادات والمعتقدات والمثل العليا للمجتمع الذي يعيش فيه, فبعض فنون القيادة التي كانت تلاقي نجاحا في القرن الماضي, أصبحت عديمة القيمة في هذه الأيام وماهو صالح منها في هذه الأيام, قد يصبح عديم القيمة في المستقبل, لذا وجب ألا يكون القائد نسخة تطابق شخصية أحد سواه,بل عليه أن يختط لنفسه منهجا خاصا يتماشي مع الظروف المحيطة به.
إن بلوغ درجة الكمال في فن القيادة إنما هو أمر بعيد التحقيق, شأنه في ذلك شأن كل فن من الفنون, فمهما تبلغ حنكتك كقائد فإنك لاتزال في حاجة الي المزيد.
إن الغرض الوحيد الذي ترمي اليه القيادة الحكيمة هو تحقيق هدف معين, وأن هدف القائد قد يكون محاولة إدخال السعادة علي جميع من هم تحت قيادته, فالواقع أنك قد تكون قائدا ناجحا دون أن تكون شخصية محبوبة لدي كل المرءوسين فإرضاء كل الناس شيء محال, لأن للناس مآرب متنوعة, وواجب القائد أن يبث في مرءوسيه روح الجد, والعمل في حماس وتعاون وطرق الحصول علي التعاون الصادق بين المرءوسين هي عقدة مشكلة القيادة.
فأهداف القائد كما يتصورها,قد لاتكون محببة إلي الآخرين, وعليه في هذه الحالة أن يجعل هذه الأهداف تبدو لهم وكأنها أمر لاغني عن تحقيقه, فمن خلال قدرته وشخصيته يستطيع القائد أن يبث في رجاله روح العمل أفرادا وجماعات وعليه أن يتحقق من مدي قدراتهم ليستغلها الي أقصي حد في تحقيق النهوض بوحدته, ويجب ألا يسرف القائد في استخدام الوسائل القانونية, أو وسائل الترغيب للحصول علي تعاون مرءوسيه.
ولابد أن يكون القائد قادرا علي مناقشة المشاكل التي تعترضه مع مرءوسيه مستغلا معلوماتهم, وأحكامهم للبت في الأمور, ولإقناعهم بحلولها, بحكم مشاركتهم في خطة الحلول, وخلاصة القول أنه خيرلك أن توجه رجالك, من أن تملي عليهم آراءك, وأن تقنعهم بدلا من أن تأمرهم, وأن تقودهم بدلا من أن تسوقهم.
إن تحقيق النصر في المعارك الجوية وغيرها, والإعداد لهذا النصر هما الهدف الأسمي والغاية المطلوبة لكل قائد, ففي وقت السلم يكون التدريب لتحقيق النصر هو أهم غرض, وفي سبيل هذا الإعداد نواجه من المشاكل مالا حصر له مع ما يصاحب ذلك من مختلف العوامل والعوائق فأول مايواجهنا هو الدراسة والبحث,ثم تختمر بعدها الفكرة, ويأتي دور التخطيط, ثم تأتي مشكلة توفير المعدات وتهذيب خطط التدريب, وأخيرا يأتي دور التنظيم والتنسيق للتنفيذ والتخطيط للعمليات والإمدادات, ضمانا لتوفير الجهد وسهولة العمل, كل هذه الأمور تسير في اتجاه واحد لغرض واحد هو سبيل الفوز والنصر, وفي سبيل هذا الاستعداد قد تصعد بعض العقبات مثل الميزانيات المالية, أو نقص المعدات, أو قلة الأفراد, أو ضيق الوقت, كما قد تتضارب الآراء السياسية أو الاقتصادية.
غير أنه لابد من اتخاذ قرار أخير برغم كل هذه الظروف لذلك فمسئولية القائد أنه لابد له من أن يتأكد من أن كل مرءوس في وحدته, قادر علي القيام بما يطلب منه علي الوجه الأكمل عندما تحين ساعة العمل.
إن مسئوليات القائد لا عدد لها, فهو مسئول عن تنفيذ ما يكلف به من مهام, وهو مسئول امام السلطات العليا, وغالبا ماتبدو هذه المسئوليات متضاربة ممايضاعف من متاعبه.
وهنا يكون واجبه دائما ان يختار لنفسه خطة للعمل من بين الخطط المتعددة التي تبدو سليمة, وتحت كل الظروف, يجب علي القائد ان تكون قراراته حاسمة وفاصلة, ولكي يستطيع القائد ان يتخذ قرارا حاسما في مسئوليات عديدة متضاربة لابد ان يكون مؤمنا بمبادئ اساسية يترسم خطاها.
وأهم مسئوليات القائد هي مسئوليته عن نجاح المهمة المكلف بها, ولنذكر دائما ان هذه المسئولية تسبق مسئولية اي فرد من مرءوسيه وفي سبيل العمل علي نجاح المهمة قد تتعرض ثقة المرءوسين بقائدهم لبعض الهزات, اما هو فعليه الا يتردد في اقدامه الذي يعتبر دائما مقياسا لاختبار صلابته.
وعلي القائد ان يطيع بإخلاص ما يصدر إليه من اوامر من رؤسائه, فلو أنه اخذ يعارض الأوامر الصادرة اليه, فما من شك في ان اوامره إلي مرءوسيه ستكون موضع نقد وتساؤل كذلك, ولكي توحي روح القائد بالثقة في تنفيذ المهمة المكلف بها فلابد وان يوحي كذلك بالثقة في القيادات العليا.
كذلك, فإن للقائد مسئولياته امام وحدته, إذ ان هذه الوحدة تتألف من افراد تعرف عليهم شخصيا, واحتك بهم كل يوم, فصاروا يشاطرونه سروره وهمومه ونجاحه وفشله, ومنهم من هو موضع احترامه واعجابه, غير ان محبة القائد لرجاله قد تصبح عبئا ثقيلا علي ضميره في بعض الأحيان, عندما يتطلب الأمر تكليفهم بالعمل إلي حد الارهاق, وهنا يكون واجبه الا يرضخ لتأنيب الضمير عندما يتخذ مثل هذا القرار, فلقد قيل ان احدي الصفات التي يتصف بها القائد الحازم هي قدرته علي التغلب علي مشاعره الشخصية نحو زملائه في بعض الأوقات.
ومن أهم مسئوليات القائد قدرته علي اتخاذ قرارات حاسمة, فقلما يتخذ قرارا يتعرض للنقد بواسطة المسئولين عن تنفيذه, ولهذا يحسن ان يقوم القائد بشرح الغرض من الأوامر التي تصدر عنه, كلما أمكن ذلك ليجيب عن كل التساؤلات التي قد تدور في رأس رجاله, وبذلك يصبح علي علم بالغرض الذي تهدف إليه الاوامر في سبيل تحقيق الهدف.
وقلما يكون امام القائد من الوقت ما يكفي للتفكير الطويل قبل اصدار القرارات كأن يجمع المعلومات الكافية, ويزن جميع الاحتمالات التي تترتب علي قراراته, كما أن الوقت قد لا يتسع لإقناع افراد القوة بقبول الأمر, فالزمن هو اهم عنصر في اتخاذ القرارات لاسيما زمن الحرب, حيث تكون لكل لحظة من الزمن وزنها, وكثيرا ما يضطر القائد لاتخاذ قرارات لحظية تتطلب التنفيذ في الحال, ويكون اثرها خطيرا, وقد لا يكون القائد مصيبا في قراراته, ولكن عليه ان يكون حاسما وسريعا, وهنا تكون تجارب القائد الماضية, وتدريبه عاملا في اتخاذ القرارات الصحيحة السريعة, كما يكون إلمامه بمسئوليات منصبه عاملا في نجاحه.