إعداد الطيارين للقتال

 

 إعداد الطيارين للقتال
بقلم: محمد حسني مبارك عام 1976 
الجزء الثامن 
___________________________________________

أصبح للقوات الجوية في جميع جيوش العالم المكان الأول في عمليات القتال, فلا غرابة إذن أن نري كل دول العالم تتسابق في إنتاج أسرع الطائرات وأقواها, أو الحصول عليها, فالدول الكبري في الوقت الحاضر تسلح جيوشها بطائرات قادرة علي العمل في جميع الأجواء,
وتطير بسرعات تزيد علي3 آلاف كيلومتر في الساعة وعلي ارتفاعات شاهقة في طبقة الاستراتوسفير, وهي تسلح هذه الطائرات بالصواريخ والقنابل والمدافع, كما تجهزها بمعدات إلكترونية لتبلغ حدا كبيرا من الكمال, ويشرف علي توجيهها من الأرض أحدث الأجهزة الملاحية البالغة التعقيد, ولكن علي الرغم من كل هذه المعدات التي تبلغ حد الإعجاز,فإن الطيار لايزال هو سيد العمليات الجوية, وهو الذي يستطيع انتزاع الفاعلية من جميع الأجهزة الخطيرة التي تعمل في خدمته.
إن ظهور أي معدات جديدة يلقي بلاشك أعباء جديدة علي عاتق الطيار, وهانحن نشهد كل يوم سيلا لاينقطع من المعدات والأجهزة الجديدة, وكل هذا يتطلب مناهج تدريبية أوسع نطاقا لضمان الاستفادة من كل طائرة جديدة,سواء من ناحية محركاتها أو من ناحية تسليحها, فيخصص زمن معين لتطوير التدريب, أو تعد المناهج لذلك مقدما, أو تصمم أجهزة الطيران الآلي لمحاكاة الأنواع الجديدة, فلابد من التدريب علي كل مستحدث, مع اتقان استخدام الأسلحة والمبتكرات التي صارت أكثر تعقيدا, كما يتطلب كل هذا طرقا جديدة للتدريب.
إن التعديلات الجذرية التي يجري إدخالها علي مختلف الأجهزة والأسلحة والتكتيكات والوسائل تتطلب من ضباط الأركان والمهندسين, النظر بعين واعية الي المستقبل للتنبؤ بما قد تتطور إليه طرق القتال مستقبلا, ومايصاحب ذلك من تصرفات الأفراد في مواقف معينة, مما يحقق مقومات النصر.
ان بعد النظر والتخطيط السليم, ودقة الحساب قد أصبح لها اعتبار خاص في الوقت الحاضر, كما أصبح من الضروري أن ترتكز كل الخطط علي الأسس العلمية. لقد كان الطيار دائما, ولايزال أهم عنصر في الطيران, ولذلك لابد أن يكون علي مستوي يهيئه للقيام بجميع المهام الملقاة علي عاتقه, ومن ثم أصبح من المحتم تدريب الطيارين علي الطيران في ظروف أقرب ماتكون الي ظروف القتال الحقيقي, ويتعذر أن يتم ذلك دون أن يتعرض الطيار الي جهد كبير من النواحي الجسمانية والنفسية, ولكي يتعلم الطيار كيف ينتصر في القتال لابد له من بلوغ مستوي ممتاز من التدريب التكتيكي, كما يجب أن يتمتع بروح معنوية عالية, وبصفات المقاتل الشجاع.
ومما يزيد العبء علي الطيار مايتعرض له من ارتجاجات وضوضاء, خاصة كلما تزايدت السرعات,فقيام الطيار بالتدريب المستمر ضروري لكيلا تعمل كل هذه المؤثرات علي خفض طاقته, والإخلال بقدرته الحركية, والانسجام فيما يأتي به من أعمال ودقة تمييزه لقراءات العداد.
إن طيار القتال لابد أن يكون وطنيا ومتحمسا, يتمتع بشجاعة كبيرة وروح معنوية عالية, وأخلاق فاضلة, وذلك لأن حب الطيار لوطنه وإيمانه بمباديء دينه, ونضجه الثوري, ووعيه السياسي, سوف تجعله لا يألو جهدا, ولايضيع لحظة في سبيل سيطرته علي كل جديد من المعدات,واتقان تكتيكات القتال, والارتفاع بمستواه في الطيران والاستعداد الدائم لملاقاة العدو.
إن القسط الأكبر من المعلومات والبيانات يتلقاه الطيار الآن وهو علي متن طائرته, ووجه الصعوبة انه بينما يضيق امامه باستمرار الوقت المتبقي الكافي لاستقبال هذه البيانات وتحليلها, واستخراج النتائج منها, فإنه يزداد في الوقت نفسه عدد العمليات, وعدد نوبات الانتظار والترقب.
والنجاح في عمليات الطيران صفة تلازم كل من يتقن استخدام الأجهزة, ويستمر في التدريب عليها, ومن يستغل, لاقصي حد ولغرض محدد, كل وقت مخصص للطيران, او التدريب, او الراحة, ومن يحافظ علي سلامة جسمه, ومن يداوم التدريب علي الأجهزة الآلية ومن يزاول الألعاب الرياضية.
إن اعداد الطيار لنفسه, ورفع مستوي قدراته يتوقفان في الوقت الحاضر, وإلي حد كبير, علي الدراسة الخاصة التي يقوم بها وحده, لعل كل طيار يتذكر كيف كان يعد نفسه لأول طلعة طيران في حياته, انه الآن مطالب بأن يعد نفسه لكل طلعة بنفس الحماس والمسئولية.
فجدير بكل طيار الا يقصر اهتمامه علي الدراسات الجبرية التي يطالب بها, بل عليه ان يقوم بدراسات مستقلة في شئون السياسة والعلوم والتكنولوجيا والمعلومات العامة, والإقبال علي التدريب لا لشيء الا الرغبة الملحة في تدعيم مهاراته في فنون الطيران والملاحة, والعمليات باستخدام الرادار وغيره من المعدات.
إن نتائج عمليات قناة السويس قد دلت علي أن النصر كان دائما حليف الطيارين الذين كانوا يعرفون جيدا الغرض الحقيقي الذي يحاربون من اجله, والذين تعمقوا في دراسة الأجهزة ونظريات الطيران, والتكتيكات الجوية, والذين استطاعوا استغلال مزايا طائراتهم لانزال الهزيمة بالعدو.
إن روح التأهب لخوض المعارك الجوية تعني القدرة علي الاستعداد السريع للطيران والإقلاع في الفترة التي يحددها القائد, وعقد العزم علي خوض المعركة مهما يكن الثمن, وتحطيم مقاومة العدو, ثم انزال الهزيمة به, ومن الطبيعي ان التدريب علي القتال يعني في الوقت نفسه التنظيم الهاديء المرتب للمراقبة والتدريب التكتيكي, عندما تتم كل طلعة في ظروف اقرب ما يكون لظروف القتال, وعندما يبذل الطيار اقصي طاقته.
ان التدريب الناجح علي شئون الطيران يتوقف علي قدرة قادة الوحدات علي جميع المستويات, خاصة من ناحية الأسلوب, وعلي قدرتهم علي بث روح الإقدام في الطيارين, وقوة العزيمة والقدرة علي التصرف في أصعب الظروف معتمدين علي انفسهم, كما أن القدرة علي القتال تتوقف علي درجة إيمان الطيار بمباديء وطنه وتفانيه في خدمة ابناء امته.
إن درجة التأهب للقتال تقاس دائما بالنتائج النهائية, إذا ما نجح الطيارون في اعتراض وتدمير الطائرات المعادية, في منطقة معينة, وإذا ما نجحوا في اختراق غلالة النيران, واصابوا اهدافهم بالقنابل والصواريخ, ثم حصلوا علي معلومات مهمة عن العدو في مؤخرة خطوطه في المكان والزمان المعينين.
والخلاصة ان التدريبات هي خير اختبار لقياس نضج ومقدرة الطيار علي القتال, ففي خلال هذه التدريبات تطير الطائرات بأقصي سرعتها مع تطبيق مختلف الطرق الفنية التكتيكية, ومختلف انواع الاشتباكات, وكثيرا ما تتم هذه التدريبات متعاونة مع الدبابات والمدفعية والجنود, المنقولين جوا, ووحدات الصواريخ والقطع البحرية, اما ما يحدث في اثناء التدريب من تغييرات مفاجئة في الموقف, أو تطور فيه, فيجب ان يدفع قادة العمليات وضباط الاركان, وجميع الأفراد إلي العمل بأقصي جهد مستطاع.